آمنت بإله مزيف
حين رأيتها عند حافة النهر كانت تبدوا كآلهة في احدى الأساطير الإغريقية اقتربت منها متخوفا وسألتها ان كانت تنتظر احد لكنها هزت رأسها نافية الأمر، غمرتني سعادة غريبة لحظتها وتمالكت نفسي بصعوبة لكي لا أكلمها أشعلت سيجارتي وجلست أراقب الطبيعة وأفكر في طريقة ذكية ابادرها بها الكلام، بعد حوالي دقيقتين أدرت راسي نحوها قائلا هل تسكنين بالجوار يا سيدتي؟ لكنها لم تكن موجودة غادرت بل وكأنها تبخرت عدت الى البيت منكسر الخاطر وكلي ندم لاني لم اسألها من تكون ولم احصل حتى عن إشارة توصلني اليها .
دخلت البيت باكرا على غير عادتي غسلت وجهي وتوجهت الى المطبخ لم اكف عن التفكير بها وكم تمنيت ان أكون رسامًا لرسمها على كل جدران بيتي والسقف ان استطعت، سخنت الأكل الموجود في الثلاجة وقعدت اتخيل أيمكن ان تكون تفكر بي هي كذلك!! لكن كيف وقد غادرت دون ان تودعني بكلمة؟ ماذا لو كانت تتبعني وستطرق الباب بعد قليل؟ لا من يعجب بشاب شاحب! مالذي يجذب قلب امرأة مثلها برجل مهمل مثلي؟! وأخذت ارسم خرائط عديدة وأتخيل سيناريوهات بيني وبين نفسي. انهيت الأكل ورميت صحني عند المجلى وذهبت لأستحم لعلني استرخي قليلًا وأنام، كنت افرش أسناني وأنا اقف تحت مرشة الحمام اشعر بكل قطرة ماء على جسدي وكأن مستقبلاتي الحسية تضاعف نشاطها وضعت الشامبو على رأسي وادخلت أناملي في شعري فشعرت بيد ثالثة أرتبكت كثيرا واستدرت بسرعة الى المرآة فلم اجد شيئًا فهمت انني بلغت من التعب ما جعلني اتخيل ويجب ان اخلد الى النوم حالا انهيت بسرعة ونشفت جسدي ثم ارتميت على السرير كملاك سقط من الجنة على الأرض . استيقظت فجأة بعد نوم عميق على حلم كانت هي بطلته والغريب انها كانت جالسة على ظهري وتهمس لي بكلمات غريبة في رقبتي لم استطع فهمها ولم أتذكرها بعد استيقاظي كل ما اعلمه انني مازلت اشعر بثقلها فوقي وحرارة غريبة قرب أذني نهضت بسرعة وصرت احادث نفسي ربما هذا من كثر التفكير بها او انني نمت بعد وجبة ثقيلة مباشرة، اتجهت نحو مكتبي وأخرجت اوراقا بيضاء وقلم وجلست انظر الى الحائط الأبيض المائل للصفار وما ان جاءت صورتها في ذهني حتى شعرت وكأن حرارة اصابت القلم فلم يستطع الا ان يذرف الحبر من أحشائه ورحت اكتب فيها شعرًا البيت تلو الآخر طيلة الليل أشارك سيجارتي الحر والاحتراق .
منذ حوالي أسبوع كنت امر بحافة النهر يوميا قبل الذهاب الى العمل وعند
العودة الى البيت ومساءا بأمل ان نلتقي مجددا ومازلت احفظ الجمل وأتخيل
محادثتنا وما يمكن ان يحدث، وجاء اليوم الموعود التقيتها صباحا تشتري
الجريدة من الدكان الصغير الموجود اخر الشارع وفجأة تجمد الدم في عروقي
ونسيت جميع العبارات وأصبحت كالأبله واقفا أتأملها دون اي حركة! رايتها
تقبض الصرف من البائع فاستجمعت قوايا وتوجهت نحوها لكن بخطوات متثاقلة كانت
هي قد دارت في احد الأزقة أسرعت قليلا لكي ألحقها كانت بعيدة قليلًا لكن
ما ان وصلت كانت قد اختفت، تأخرت نعم نعم تأخرت ويا حسرتي وأخذت الوم نفسي
كم اني جبان … ورجعت خطايا وكأن جبلا وضع على أكتافي لألمحها أمامي تستند
الى الجدار قالت: ما اسمك يا هذا ؟ نظرت اليها وكأني اشاهد فلمًا بالعرض
البطيء جاوبتها بدهشة: أنا؟ اسمي أنا؟
قالت: نعم يا ابن الحبر والبحر، الست انت من التقيت عند حافة النهر؟
قلت: بلى
قالت: مابها يدك ترتعش هل هو مرض أم انك متوتر؟
نظرت الى يدي ثم لها
ابتسمت وقالت لابأس! هل تسكن بالجوار؟؟
قلت: نعم نعم بيتي في الشارع المقابل ..
فسألتني: هل يوجد عندك مانع ان تعزمني على كأس قهوة عندك؟
لم استطع ان ارفض بل شعرت وكأن أبواب السماء فتحت لي رحت امشي معها على السحاب لا شيء أراه غيرها.
وصلنا شقتي وفتحت الباب بسرعة وأنا اعتذر عن الفوضى، كانت لا تبالي وتنظر
الى شقتي الصغيرة غير المرتبة كأنها متحف ثم قالت: احببت عالمك انها شقة
جميلة تحتاج بعض الحياة فقط! وراحت تلمس الجدران بأناملها ثم جلست على
سريري وقالت أذن هنا تنام وهنا تقضي معظم يومك لابد انك شخص يعشق النوم!
– هذا قبل ان أراكِ !
أصبحنا مقربين جدًا ونلتقي باستمرار تزورني بانتظام نقضي أوقاتًا جميلة
وغريبة مع بعض، كنت امرض حين تغيب او تعتذر عن زيارتي، اخر مرة جاءتني كانت
تكاد تطير فرحًا سألتها عن سبب كل هذا السرور الا انها ابت ان تجيب واكتفت
باني سأعلم في الوقت المناسب .. أردت ان اغتنم الفرصة لاعترف لها بحبي !
لكني جبان كعادتي قلت لها: هل اراك غدا؟
– أتمنى لكن لا أظن انه ممكن! ثم طأطأت رأسها. في الحقيقة سأغادر المدينة غدا وجئت لأخبرك
– كييييف! لماذا؟ متى قررتي؟
– منذ الأزل فقد عاد غائبي وسأسافر معه، انا آسفة لقد استمتعت بصحبتك كثيرا وأنا ممنونة لك بقية الوجود ..
عم السكون في جسدي وشعرت بجرح عميق يفطر قلبي وسمعت باب الشقة يغلق رحلت آلهتي!
انا لم اعشق هذه المرأة بل اعتنقتها دينا جديدا، افكر فيها في يومي في
نومي وصحوتي، أسعى لإرضائها واخاف ان أذنب وأنا الذي يخشى غضبها، أمارس
حبها شعورًا و فعلًا! اهرب من كل مآسي الدنيا لأجلس على ركبتاي أمامها
ارتجي حنانها وعطفها، فاتنة التفاصيل، خفيفة الهمسات، جريئة اللمسات،
تعذبني بالهجر وأنا المعذب بالشوق في حضورها.. رائحتها ركن وانعكاس صورة
جسمها على مرآة الحمام اهم اركان حبي وهيامي بها، أناملها شفاء وريقها
ترياق مشيتها وتناسق جسمها يسببان لي في غيابها العذاب، الوحيدة التي لا
تزعجني تبعثر أغراضها في منزلي، تبدوا كأشعة الشمس حين نراها من أسفل
المياه اذا رقصت بفساتينها الحريرية.
لم انم الليل من فرط التفكير كنت البس ملابسي وانتظر الصباح ان يولد من الليل، توجهت الى بيتها ووقفت انتظر خروجها وبعد لحظات خرجت فاتنتي في قمة الجمال تشد بقوة كما كانت تشدني لكنها تشد ذراع رجل غريب علي عزيز عليها وهو يحمل حقيبة كبيرة، انهما يغادران المدينة، كان يوما باردا وأنا اتصبب عرقا كحيوان اغلق عليه في غرفة حديدية وأشعلوا نارًا تحتها، اتذكر ابتسامتها حين كان يجمعنا السرير تكاد تختفي تحت خصلات شعرها المتساقطة على وجهها وهو في اشد الفُتن يتعرق .. نظرت لي فجأة فتغيرت ملامحها الى حزن شديد وكأنها تقول سامحني وأشارت بيدها وداعًا، أدرت عليها ظهري ورحت امشي اتمايل من الوجع، وقفت عند حافة النهر ثم أعلنت الحادي بها ورميت جسدي المثقل في الماء .
N. O